فضائل وآداب شهر الله المحرم
بقلم
د جمال المراكبى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الله سبحانه وتعالى فضل بعض الأيام والشهور على بعض، فخير الأيام عند الله يومُ النحر، وهو يومُ الحج الأكبر كما في «السنن» عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ» وقيل يومُ عرفة أفضلُ منه، وهذا هو المعروف عند أصحاب الشافعي قالوا لأنه يومُ الحج الأكبر، وصيامُه يكفر سنتين، ومَا مِنْ يَوْمٍ يَعْتِقُ اللهُ فيه من الرقاب مثل يوم عرفة وكذلك فضل عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، فإنَّ أيامه أفضلُ الأيامِ عند الله، وقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالح فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هذه الأيَّامِ العَشْرِ» قَالُوا وَلاَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ «وَلاَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ» رواه ابن حبان والبيهقي، وصححه الألباني وهي الليالي العشر التي أقسم الله بها في كتابه بقوله «وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ» الفجر ، ولهذا يُستحب فيها الإِكثارُ من التكْبِير والتهليل والتحميدِ، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأكْثرُوا فِيهِنَّ مِنَ التكْبِيرِ وَالتَّهْلِيل وَالتَحْمِيدِ»
وَمِنْ ذَلك تفضيلُ شهر رمضان على سائر الشهور، وتفضيلُ عشرِهِ الأخير على سائر الليالي، وتفضيلُ ليلة القدر على ألف شهر هذا وقد فضل الله شهر المحرم بأن نسبه إليه وجعله شهرا حراما وجعل الصيام فيه أفضل من غيره من الشهور بعد الفريضة قال الله تعالى «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» التوبة ،
وقد أجمع العلماء على أن الأشهر الأربعة المذكورة هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وقد اختلف في الابتداء بعددها فذهب أهل المدينة إلى أنه يبتدأ بذي القعدة فيقال ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ويحتجون على ذلك بأن النبي عدها في خطبة حجة الوداع كذلك فقال السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واختاره أبو جعفر النحاس
وذهب أهل الكوفة إلى أنه يبتدأ بالمحرم فيقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة ليأتوا بها من سنة واحدة وكانت العرب في الجاهلية مع ما هم عليه من الضلال والكفر يعظمون هذه الأشهر ويحرمون القتال فيها حتى لو لقي الرجل فيها قاتل أبيه لم يهجه إلى أن حدث فيهم النسيء فكانوا ينسئون المحرم فيؤخرونه إلى صفر فيحرمونه مكانه وينسئون رجبًا فيؤخرونه إلى شعبان فيحرمونه مكانه ليستبيحوا القتال في الأشهر الحرم
واعلم أنه يجوز أن يضاف لفظ شهر إلى جميع الأشهر فيقال شهر المحرم وشهر صفر وشهر ربيع الأول وكذا في البواقي على أن منها ثلاثة أشهر لم تكد العرب تنطق بها إلا مضافة إليها وهي شهرا ربيع وشهر رمضان ويؤيد ذلك في رمضان ما ورد به القرآن من إضافته قال تعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ» البقرة
ويقال في المحرم أيضًا شهر الله المحرم ويقال في الربيعين ربيع الأول وربيع الآخر وفي الجمادين جمادى الأولى وجمادى الآخرة
قال النحاس وإنما قالوا ربيع الآخر وجمادى الآخرة ولم يقولوا ربيع الثاني وجمادى الثانية كما قالوا السنة الأولى والسنة الثانية لأنه إنما يقال الثاني والثانية لما له ثالث وثالثة ولما لم يكن لهذين ثالث ولا ثالثة قيل فيهما الآخر والآخرة كما قيل الدنيا والآخرة
ويقال في رجب الفرد لانفراده عن بقية الأشهر الحرم ويقال فيه أيضا رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ويقال في شعبان المكرم لتكرمته وعلو قدره، وفي رمضان المعظم لعظمته وشرفه، وفي شوال المبارك للفرق بينه وبين شعبان خشية الالتباس في الكتابة، ويقال في كل من ذي القعدة وذي الحجة الحرام كما قال النبي في خطبة عرفة «أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال أليس يوم الحج الأكبر؟ قلنا بلى ثم قال أي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال أليس شهر الله المحرم ؟ قلنا بلى»